زوجات الرسول ﷺ
أم سلمة رضي الله عنها
نسب أم سلمة:
هي هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم (24 ق.هـ/ 598م)، كان أبوها -رضي الله عنها- من أجواد قريش، يُعرف بـ »زاد الركب » لكرمه.
وأمُّها هي عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن عبد المطلب، أخوالها لأبيها عبد الله وزهير ابنا عمَّة رسول اللهﷺ.
زواج أم سلمة وهجرتها وتضحيتها:
تزوَّجت أمُّ سلمة من ابن عمِّها أبو سلمة، وهو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن مخزوم القرشي، وهو من الصحابة الأجلاء الذين أبلَوْا في الإسلام بلاءً حسنًا، وهو ابن عمَّة رسول الله ﷺ، فأُمُّه بَرَّة بنت عبد المطلب.
هاجرت السيدة أمُّ سلمة مع زوجها رضي الله عنهما إلى الحبشة.
ولمَّا أَذِن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، وقعت قصة عظيمة للسيدة أمِّ سلمة -رضي الله عنها- تتجسَّد فيها أسمى معاني التضحية والصبر لله تعالى؛ حيث كان أبو سلمة رضي الله عنه أوَّل من هاجر إلى المدينة من أصحاب النبي ﷺ من بني مخزوم، هاجر قبل بيعة أصحاب العقبة بسَنَةٍ، وكان قَدِمَ على رسول الله ﷺ من أرض الحبشة، فلما آذته قريش، وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج أبو سلمة إلى المدينة مهاجرًا، وقد عانت السيدة أمُّ سلمة -رضي الله عنها- ألمًا شديدًا، في هذه الهجرة.
حيث أن قومها و قوم زوجها فرقوا بينها و بين ابنها مانعين أبا سلمة من أخذها معه و مانعين إياها من أن تبقي ولدها سلمة معها عند أخواله.
وعندما رأى أحد بني عمها شدة حزنها على فراق زوجها و ابنها رق لحالها و توسط لها في قومها فتركوها تلحق بزوجها. و رد إليها ابنها سلمة.
فخرجت تقصد المدينة للقاء زوجها، وحدها برحالها و معها ابنها. وفي طريقها لقيها عثمان بان طلحة في الطريق يسألها : أما معك أحد؟ فقالت : لا والله إلاَّ الله وبُنَيَّ هذا. قال: والله ما لك مِن مترك.
فصحبها إلى المدينة و اعتنى بها و ببعيرها طول الطريق إليها. فأوصلها إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُبَاء، حيث كان أبو سلمة بها نازلاً- فادخلها على بركة الله. ثم انصرف راجعًا إلى مكة.
وقد شهِد أبو سلمة بدرًا، وجُرح بأُحُد جرحًا اندمل ثم انتُقِضَ، فمات منه في جُمَادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة.
ولما تُوُفِّي أبو سلمة قالت أمُ سلمة : اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها. ثم رجعتُ إلى نفسي فقلتُ: مِن أين لي خيرٌ من أبي سلمة؟
فلمَّا انقضَتْ عدَّتي استأذن عليَّ رسول الله ﷺ فخطبني إلى نفسي، فلمَّا فرغ من مقالته قلتُ: يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة فيَّ، ولكني امرأة بي غَيرة شديدة، فأخاف أن ترى منِّي شيئًا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلتُ في السن وأنا ذات عيال. فقال: « أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ تعالى مِنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي ». فقالت: فقد سَلَّمْتُ لرسول الله ﷺ.
فقالت أمُّ سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرًا منه رسولَ الله ﷺ.
حياة أم سلمة مع رسول الله ﷺ وفضلها
بعد وفاة أبي سلمة -وانقضاء عِدَّة أمِّ سلمة- خطبها أبو بكر فرَدَّتْه، ثم خطبها عمر فرَدَّتْه، ثم استأذن عليها الرسول ﷺ، فوافقت على الزواج من النبي ﷺ بعد أن زوَّجها ابنها، وشهد عقدها رجال من صحابة النبي ﷺ، فكان صداقها -رضي الله عنها- كصداق عائشة: صحفة كثيفة، وفراش حشوه ليف، ورَحَى، ودخل بها النبي ﷺ سنة أربع من الهجرة.
وقد كانت -رضي الله عنها- تختلف عن باقي نساء النبي ﷺ، فقد انتُزع من صدرها الغَيرة؛ حيث اعترفتْ للنبي ﷺ بغَيرتها، وذلك عند خطبته لها، فدعا لها النبي ﷺ بذهاب الغَيرة من نفسها، وكانت -رضي الله عنها- من أجمل نسائه باعتراف أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حيث تقول عائشة رضي الله عنها: وقد كانت للسيدة أم سلمة -رضي الله عنها- مكانتها عند النبي ﷺ؛ فعن زينب ابنة أمِّ سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ كان عند أمِّ سلمة -رضي الله عنها- فجعل حَسَنًا في شقٍّ، وحُسَيْنًا في شقٍّ، وفاطمة في حجره، وقال: « رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ». وأنا وأمُّ سلمة -رضي الله عنها- جالستان، فبكت أمُّ سلمة -رضي الله عنها- فنظر إليها رسول الله ﷺ، وقال: « مَا يُبْكِيكِ؟ » قالت: يا رسول الله، خصصتهم وتركتني وابنتي. قال: « أَنْتِ وَابْنَتُكِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ »
. ولمَّا كان النبي ﷺ يدخل على نسائه كان يبتدئ بأمِّ سلمة رضي الله عنها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله إذا صلَّى العصر دخل على نسائه واحدة واحدة، يبدأ بأمِّ سلمة -رضي الله عنها- لأنها أكبرهن، وكان يختم بي.
رجاحة عقل أم سلمة ونزول القرآن فيها
وكانت أمُّ سلمة -رضي الله عنها- سببًا مباشرًا لنزول بعض الآيات الكريمة من القرآن الكريم؛ فعن مجاهد قال: قالت أمُّ سلمة: يا رسول الله، تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث. فنزلت: {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32]، ونزلت: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ…} [الأحزاب: 35].
قال مجاهد: وأُنْزِل فيها : {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35]، وكانت أمُّ سلمة أول ظعينة[أي مسافرة بالهودج] قدمت المدينة مهاجرة.
وعن عمرو بن دينار، عن سلمة -رجل من آل أمِّ سلمة- قال: قالت أمُّ سلمة: يا رسول الله، لا نَسْمَع اللهَ ذَكَر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى…} [آل عمران: 195] إلى آخر الآية.
موقف أم سلمة يوم الحديبية
لما فرغ رسول الله ﷺ من قضية الكتاب، قال لأصحابه: « قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا »، فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرَّات، فلمَّا لم يَقُمْ منهم أحد دخل على أمِّ سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أمُّ سلمة: يا نبي الله أتحبُّ ذلك؟ اخرج ثم لا تكلِّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بُدْنه ودعا حالقه فحلقه، فلمَّا رأَوْا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا. قال ابن حجر: وإشارتها على النبي ﷺ يوم الحديبية تدلُّ على وفور عقلها وصواب رأيها.
مرويات أم سلمة عن رسول الله
وقد روت رضي الله عنها -كما ذكر الذهبي في مسندها- ثلاثمائة وثمانين حديثًا، اتَّفق البخاري ومسلم على ثلاثة عشر، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر، وقد روت -رضي الله عنها- الأحاديث الخاصَّة بمعشر النساء بغرض التعليم والتوجيه، فقد روت أن النبي ﷺ كان يُقَبِّلها وهو صائم، وأنها كانت تغتسل معه من الإناء الواحد من الجنابة، وأنها كانت تنام مع النبي ﷺ في لحافٍ واحد، وأنها كانت تأتيها الحيضة… فيقول لها ﷺ : « أَنَفِسْتِ؟ » قلتُ: نعم. قال: « قُومِي فَأَصْلِحِي حَالَكِ ثُمَّ عُودِي ». فألقيتُ عني ثيابي، ولبستُ ثياب حيضتي، ثم عدتُ فدخلت معه اللحاف.
حياة أم سلمة بعد وفاة الرسول ﷺ
بعد وفاة النبي ﷺ، لزمت أم سلمة بيتها، وعكفت على العبادة. ولجأ الكثيرون إليها لسماع الحديث والتفقه في الدين لعلمها بأحكام الشريعة. فقد سمعت أم سلمة من النبي محمد وابنته فاطمة، كما روت عن زوجها الأول أبو سلمة بن عبد الأسد.
وروى عنها خلق كثير منهم أم المؤمنين عائشة وأبي سعيد الخدري وابنها عمر بن أبي سلمة وأنس بن مالك وبريدة بن الحصيب الأسلمي وسليمان بن بريدة وأبو رافع وابن عباس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وشقيق بن سلمة وعبد الله بن أبي مليكة والشعبي والأسود بن يزيد ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وشهر بن حوشب ونافع بن جبير بن مطعم وضبة بن محصن وابنتها زينب وهند بنت الحارث وصفية بنت شيبة وصفية بنت أبي عبيد وأم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وعمرة بنت عبد الرحمن وأم محمد بن قيس وعمرة بنت أفعى وجسرة بنت دجاجة وأم مساور الحميري وأم موسى (سرية علي) وأم مبشر.
كما شاركت أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة –رضي الله عنها- في أحداث عصرها. حيث لم تكن أم سلمة بمنأى تام عن السياسة، فقد كتبت لعثمان بن عفان تنصحه بعد اضطراب الأمور في عهده، وبعد مقتل عثمان بن عفان والفتنة التي وقعت بين المسلمين.
وكانت أم سلمة حريصة على وحدة صف المسلمين، فحين قدم بُسر بن أرطاة إلى المدينة في خلافة معاوية، ورفض أن يُبايع، أتته أم سلمة، وقالت له: «بايع، فقد أمرت عبد الله بن زمعة ابن أخي أن يُبايع.»[كما عُرف عنها الفصاحة والبلاغة والإيجاز وتمكنها من اللغة.
وفاة أم سلمة رضي الله عنها:
وقد تُوُفِّيَتْ أُمُّ المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنها في ولاية يزيد بن معاوية سنة 61هـ/ 680م كما ذكر ابن حبان، وقد تجاوزت الرابعة والثمانين من عمرها، وقيل: عُمِّرت تسعين سنة رضي الله عنها. فكانت آخر زوجات النبي محمد وفاة، ودفنت بالبقيع، وكانت قد أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد لما مرضت، ولكنها توفيت ومات قبلها.
المصادر بتصرف :
محب الدين الطبري: السمط الثمين ص133.
ابن هشام: السيرة النبوية 1/468.
ابن الأثير: أسد الغابة 3/190.
ابن كثير: السيرة النبوية 3/175.
ابن زبالة: أزواج النبي ﷺ ص64.
مسند أحمد بن حنبل (27317).
ابن جرير الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن 8/261، وانظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 2/286، والبغوي: معالم التنزيل 2/204.
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 5/162.
ابن كثير: السيرة النبوية 3/334، 335.
ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة 8/224. أمينة الخراط: أم سلمة ص54، 55.
عمر رضا كحالة: أعلام النساء 5/226.
ابن حجر: تهذيب التهذيب 12/483.